في محافظة الخليل، بلغت نسبة الإصابة بمرض السرطان 32% من معدلات الإصابة بالمرض على مستوى الضفة الغربية بحسب تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية صدر في عام 2016، ووقع الأثر الأكبر على المناطق الجنوبية من المحافظة حيث رصدت وزارة الصحة الفلسطينية إصابة أكثر من 6250 مواطناً/ة بمرض السرطان في القرى والبلدات القريبة من المدافن النووية جنوب محافظة الخليل، وبحسب الأبحاث التي أجرتها هيئة الأطباء الدوليين للحماية من الحرب النووية – فرع فلسطين فإن مدينة يطا لا تعاني فقط من المدافن النووية بل يصلها أيضا ما نسبته %36.1 من الإشعاعات المنطلقة من مفاعل ديمونا الذي يبعد 25 كلم عن مدينة يطا.

الاشعاعات خطر يهدد صحة السكان
تقى أبو عيد، 16 عاما، فتاة تسكن بلدة الكرمل التابعة لمدينة يطا، كانت تتمتع بصحة جيدة في عقدها الأول من الحياة حيث أنها لم تزر المشفى قط. كانت تقى تمارس حياتها بشكل طبيعي وتذهب إلى مدرستها وتعود منها سيرا على الأقدام وتلعب وتركض، إلى أن شعرت فجأة بصعوبة في السير ولاحظت انتفاخًا في قدمها اليمنى، فتركت حقيبتها المدرسية وكتبها لتبدأ رحلة البحث عما أصابها، وبعد الفحوصات التي استمرت ستة أشهر تم تشخيصها بمرض سرطان العظام. لم تكن تقى الوحيدة التي تعاني من مرض السرطان في منطقتها، حيث تقول: “زادت نسبة الإصابة بالمرض في مدينة يطا بشكل كبير، حتى أصبحنا نسمع أن العشرات يصابون بالمرض شهريًا، وذلك بسبب قرب مفاعل ديمونا النووي من مدينة يطا.”

رحلة علاج
بدأت تقى رحلة العلاج التي تخللها جلسات الكيماوي إضافة إلى ثلاث عمليات جراحية بدأت باستئصال الورم ووصلت إلى زراعة عظم في قدمها اليمنى، إلا أن كل تلك العمليات لم تجري بالشكل المطلوب، مما اضطر الأطباء إلى بتر قدمها بعد رحلة علاج طويلة.
حلم وأمل
الإشعاعات التي يرجح انها السبب بإصابة تقى بالسرطان مما أدى إلى بتر قدمها اليمنى خلقت لها حلما جديدًا، فبعد رحلة علاج طويلة ومضنية استهلكت وقتها وجهدها عادت إلى مقاعد الدراسة لتتفوق وتحصل على معدل 97.6، تقول تقى: “نمى داخلي شغف في مساعدة الأشخاص الذين يعانون مثلي، أريد أن أقدم لهم مساعدة أكبر من التي قُدمت لي، أن أعطي لهم فرص أكبر في الحياة، لذا قررت أن أصبح جراحة عظام.” وتستمر تقى بالسير نحو حلمها حاملة طرفها الصناعي تارة، ليحملها هو تارة أخرى

وعلى الرغم من أنه لا يمكن نفي أو إثبات أن السرطان المتفشي في المنطقة ناتج عن الإشعاعات النووية، إلا أن انتشاره يعد من المؤشرات على وجود إشعاعات نووية. وأهم هذه المؤشرات انتشار سرطان الغدة الدرقية بشكل واضح والذي قد يكون ناتج عن اليود المشع الذي لا ينتج إلا عن المفاعلات والقنابل النووية، كما أن انتشار سرطان العظام يدل على وجود اليورانيوم المنضب، بحسب نتائج بحث أجراه الدكتور عدنان لحام مدير مركز علوم وتكنولوجيا الإشعاع في جامعة القدس.
ونشرت صحيفة القدس عام 2005 خبراً مفاده أن الطبيب الإسرائيلي ميخائيل شابيرا المتخصص في علاج أمراض السرطان من مستشفى هداسا بالقدس، أكد صحة المعلومات الواردة عن انتشار مرض السرطان على نحو غير طبيعي في منطقة جبل الخليل، وبلدة يطا تحديدًا، ولم يستبعد الطبيب أن يكون لذلك علاقة بمخلفات نووية وكيماوية خطيرة يتم دفنها في مناطق تلك البلدات دون رقابة، موضحاً أن انتشار سرطان الدم لدى عشرات المواطنين يعني وجود تلوث خطير في مصادر المياه.
نفايات المستوطنات، عبء إضافي على سكان مدينة يطا:
مخلفات الإشعاعات ليست المشكلة الوحيدة التي يعاني منها سكان مدينة يطا. تقول حليمة عدور عضو بلدية يطا سابقا: “تحيط المستوطنات بالعديد من التجمعات السكنية في مدينة يطا، وتنتج هذه المستوطنات الكثير من النفايات المختلفة، كالنفايات الصلبة ومخلفات المستشفيات ومخلفات المعدات العسكرية إضافة للمياه العادمة. هذه النفايات يتم التخلص منها بطرق غير سليمة، مما يسبب أضرار جسيمة على المواطنين وأراضيهم.”

تتخلص المستوطنات من نفاياتها الصلبة بعدة طرق، إما من خلال الإلقاء العشوائي في أراضي المواطنين، أو من خلال إلقاءها في مكب نفايات بلدية يطا في منطقة الديرات. وتُلقى هذه النفايات بصورة عشوائية داخل المكب بحيث تبقى معرضة للبيئة المحيطة مسببة بذلك تلوث التربة والمياه الجوفية وتكاثر الذباب والحشرات الضارة والفئران بالإضافة إلى الروائح الكريهة التي تنبعث منها، وفي بعض الأحيان يتم التخلص منها عن طريق حرقها بشكل كامل الأمر، الذي يتسبب في تلوث الهواء. هذا الأمر له أثاره على تلوث البيئة والصحة البشرية.

يزرع الاحتلال الألغام، ليقتلع جذور السكان
تيقن حليمة أن الخطر الأكبر يقع من المخلفات العسكرية، فالكثير من سكان المنطقة تعرضوا بشكل مباشر لانفجار الألغام أو الرصاص وغيرها من المعدات العسكرية مما أدى لإصابتهم بجراح بالغة، سلبت بعضًا منهم/ن أطرافهم لتسلب البعض الاخر حياتهم/ن.
محمد يوسف أبو عرام 19 عامًا كان يرعى الأغنام كعادته في الجبال التابعة لقرية لتوانه وبينما كان ذاهبا لإحضار علف الغنم من الجرار الزراعي تعثرت قدمه بحجر فوقع على لغم أرضي انفجر به مما أدى إلى بتر يده وتعرضه لإصابات بالغة في قدميه.
تقول والدة محمد وقد تدفق الدمع من عينيها: “أنا لا أبكي أمامه وأحاول أن أكون قوية لكن معاناة ابني الوحيد ليست بالسهلة، إنه يعاني من أوجاع مستمرة ودائمة، لكن رغم هذا كله ورغم كل معاناتنا في المنطقة لن نخرج منها وسنبقى صامدون في أرضنا.”
وبحسب مقال نشر عبر موقع العربي الجديد فإن أرض مسافر يطا تُخبئ مخلفات الاحتلال وتدريباته العسكرية، والتي تهدد حياة الرُعاة وأغلبهم فتية وشبان تتراوح أعمارهم بين 15 و20 عاماً. وتنقسم مخلفات جيش الاحتلال التي يصاب بها أهالي المسافر بين قذائف الطائرات والمدفعية، لكنّ أخطرها قذائف الطائرات فهي شديدة الانفجار، ومن تكتب له النجاة من المخلفات قد يفقد طرفاً من جسده.
رئيس بلدية يطا السابق موسى مخامرة قال: “تشير بعض الدلائل القوية إلى وجود مواقع يعتقد أنها تحوي مكبات نووية أو كيماوية ومخلفات لجيش الاحتلال في بعض المناطق المحيطة بمدينة يطا”.
وأردف، “ما تتعرض له أراضي يطا الشرقية من زرع قنابل وقذائف ومخلفات سامة، يهدف إلى نهب الأرض والاستيلاء عليها من قبل قطعان المستوطنين المدعومين من قبل جيش الاحتلال وحكومتهم، كما أثرت هذه المخلفات بشكل بالغ على الزراعة وتربية المواشي التي تعتبر من أهم مصادر الدخل لأهالي يطا.”
المياه العادمة مأساة متكررة
تضيف حليمة: “المياه العادمة التي تتخلص منها المستوطنات بكبها في أراضي المواطنين تؤثر سلبًا على الأراضي الزراعية وعلى صحة الإنسان، نحن نبحث عن مزروعات نظيفة لنأكلها.” وتهدد المياه العادمة الطبيعة والنظام البيئي وتتسبب بأضرار صحية وبيئية وانبعاث الروائح الكريهة اضافة الى توفير بيئة لتكاثر الحشرات وانتشار الأوبئة والأمراض، كما أشارت حليمة إلى أن سيل المياه العادمة يسبب مشكلة حقيقية في إعاقة حركة المواطنين في فصل الشتاء.

يتعرض سكان مدينة يطا والتجمعات التابعة لها للعديد من التضيقات التي تهدد صحتهم وتسلب أراضيهم الحياة، إلا أنهم صامدون ويبحثون عن حلول بديلة تدعم تثبيت جذورهم في الأرض.
تمّ إنتاج هذا العمل بدعم ماليّ من مؤسّسة هينرش بُل – فلسطين والأردن. الآراء الواردة هنا هي آراء المؤلّفين/ات، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي مؤسّسة هينرش بُل.