يارا عودة ماجستير علوم بيئية/ جامعة النجاح الوطنية / تعتبر قضية المناخ والبيئة إحدى أهم القضايا التي تواجه البشرية في عصرنا هذا، وتأخذ أهميتها من كونها قضية عالمية، حيث أصبح يتبادر إلى أذهاننا مصطلح “البيئة” بشكل يومي وفي معظم وسائل الإعلام، فلا تخلو صحيفة يومية أو برنامج إذاعي أو تلفازي من مواضيع بيئية عديدة.

ويعد الإنسان أهم عامل حيوي في التأثير على البيئة، فهو الكائن العاقل الوحيد الذي يتعامل منذ وجوده مع البيئة، وهو المسيطر على النظام البيئي، فكلما توالت الأعوام ازداد تسلطاً وتحكماً فيها، وذلك بعد استمرار التقدم العلمي والتكنولوجي خاصةً في قطاعي الزراعة والصناعة، وهذا أدى إلى تزايد المشكلات البيئية المصاحبة لهذا التطور؛ مما حدا بالإنسان إلى إعادة النظر في علاقته مع البيئة والسعي إلى تحسين هذه العلاقة، وأن يتعامل مع البيئة برفق وأن يستثمر مواردها دون إتلاف أو تدمير، فعلى حسن تصرفه تتوقف المحافظة على النظام البيئي وعدم استنزافه.

إنّ الموارد الطبيعية ذات أهمية بالغة في حياة الإنسان حيث يستغلها لتلبية احتياجاته وتطوير حضاراته، وتعتبر كمورد اقتصادي في إيجاد فرص العمل ورفع مستوى الدخل، كذلك يعد امتلاك الدولة للموارد الطبيعية واستغلالها بشكل أمثل، مصدراً يعطيها قوة مؤثرة في القرارات الاقتصادية والسياسية. أما بالنسبة للموارد البشرية فهي من الموارد الهامة إلى جانب الموارد الطبيعية؛ فالجزء البشري يمثل الأساس في استغلال الموارد الأخرى واستثمارها، وهو العنصر المفكر والرئيس في الإنتاج والخدمات كما ويعتبر الوسيلة والغاية من عمليات الإنتاج.

 لكن الاستخدام المفترس للموارد الطبيعية يؤدي إلى تدهور الأراضي وانخفاض خصوبة التربة ونقص الموارد المائية، وتدهور حالة النظم البيئية البحرية وانخفاض في المناظر الطبيعية والتنوع البيولوجي. حيث إن التلوث البيئي آخذ في الازدياد، مما يؤدي إلى انخفاض جودة حياة الإنسان، حيث تعاني العديد من البلدان من نقص في الموارد الطبيعية.

يُذكر أن التنافس المتزايد على الوصول إلى الموارد الطبيعية هو أحد العوامل في زيادة التوتر الدولي وظهور الصراعات بين الدول، ومن أهم الموارد التي تؤدي إلى إحداث الصراعات والحروب هي الطاقة التي تلعب دوراً أساسياً في مجالات الحياة المختلفة، ويعد استهلاكها من مؤشرات التقدم الاقتصادي والحضاري والسياسي للدول؛ حيث يزداد معدل الاستهلاك في الدول المتقدمة مقارنة مع الدول النامية.

منذ عدة سنين مضت، كان من الممكن رؤية المشاكل البيئية كمشاكل محلية، لكن ومع تفاقم قضايا المناخ والبيئة أصبحت معضلة من الصعب السيطرة عليها، حيث تسهم العوامل البشرية وغير البشرية في ازدياد حدة المشاكل البيئية المتنوعة، والتي من أهمها رفع درجة حرارة سطح الأرض، غير أن هناك إجماعاً من العلماء على أن هذا الارتفاع يعود في معظمه إلى النشاطات البشرية وما رافقها من زيادة في انبعاث غازات الدفيئة.

فكثيراً ما نسمع عن مشكلات بيئية ومناخية متنوعة، وكلا العالمين المتطور والنامي مدركان لهذه المشكلات، ولعل أكثر هذه القضايا تناولاً في الآونة الأخيرة قضية الاحتباس الحراري، حيث إن الزيادة في نسبة غازات الدفيئة في الهواء الجوي سواء بفعل الأحداث الطبيعية أو نتيجة للأنشطة البشرية يعد المسبب الأكبر والرئيسي للاحتباس الحراري. فارتفاع درجة حرارة الجو المحيط بالأرض هو النتيجة الحتمية لهذه الظاهرة، كما ونشأت مشاكل أخرى مشابهة مع ظهور الاحتباس الحراري وهي متجذرة في الدول الصناعية.

تشكل ظاهرة الاحتباس الحراري قضية مقلقة لجميع دول العالم الصناعية والنامية، ولهذا الغرض ومازالت تُعقد كثير من المؤتمرات الدولية لأجل إيجاد حلول لهذه المشكلة، وتم توقيع الاتفاقيات للحد من الاحترار العالمي بهدف التقليل من الغازات المنبعثة.

 أما عن تغير المناخ فيشير إلى أي تغير في المناخ يستمر لفترة زمنية طويلة، يمكن أن تصل إلى عقود أو مدة أطول من الزمن، ولتغير المناخ تأثير سلبي متزايد على ظروف القيام بالأنشطة الاقتصادية وحالة البيئة البشرية.

وكما نعلم أن للأرض غلافاً جوياً فريداً من نوعه تطوَّر عبر مئات الملايين من السنين، وميزها عن غيرها من الكواكب في المجموعة الشمسية وجعل الحياة ممكنة عليها، حيث كَثُر الحديث في العقدين المنصرمين عن تآكل طبقة الأوزون وما يترتب عليه من مضاعفات سلبية سواءً على صحة الإنسان أو الحيوان أو النبات.

فمن المشكلات البيئية المهمة في أيامنا هذه هي مشكلة نفاذ الأوزون في الغلاف الجوي؛ مما يسهل وصول الأشعة فوق البنفسجية بكميات كبيرة إلى سطح الأرض، وهذا بدوره يؤدي إلى العديد من التأثيرات السلبية على البيئة.

حيث يعود تآكل طبقة الأوزون إلى سبب بشري ناجم في معظمه عن النشاطات الصناعية المختلفة خاصة تلك التي تحوي في تكوينها مركبات (الكلوروفلوروكربون) التي تدخل في العديد من الصناعات، كما أنها تدخل كمواد مساعدة في الصناعات البلاستيكية، ومن الجدير ذكره أنه قد صدرت العديد من التشريعات والقوانين الدولية التي تلزم المصانع بأن تخلو منتجاتها من مركبات (CFCs).

في العقود الأخيرة، صاحَب النمو المكثف للإنتاج والاستهلاك في العالم زيادة في العبء البشري على البيئة وتدهور في حالتها، مما يستلزم تغييراً كبيراً في ظروف الحياة على الأرض، حيث أصبح تطوير اقتصاد أخضر ومنخفض الكربون قضية رئيسية على جدول الأعمال الدولي، ووجب علينا الآن نشر الوعي البيئي وزرع التربية البيئية في نفوس الأجيال، فنحن بصدد الترويج للمواطنة البيئية.

وتتمثل أهداف ضمان السلامة البيئية والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية في ضمان جودة البيئة اللازمة لحياة بشرية ملائمة، والحفاظ على البيئة الطبيعية واستعادتها، والاستخدام المتوازن للموارد الطبيعية، وتخفيف الآثار السلبية لتغير المناخ. هنا يجب أن تُطبَّق فكرة النظرة الوقائية والتنمية المستدامة على نطاقٍ واسع ووفقاً لقدرات الدول حرصاً على حماية البيئة ولتوفير حياة أفضل للأجيال القادمة، نحن الآن في سباق لإصلاح الضرر الذي وقع، ولمنع كوارث بيئية في المستقبل.

وعلى ضوء ما سلف ذكره من قضايا ومشاكل بيئية يبدو أن البيئة تسعى لربيع مناخي بيئي بامتياز، ويبقى السؤال الدارج في العالم: هل لدى البشر مكان آخر للعيش فيه بدلاً من الكوكب الأزرق؟