في الثانية والعشرين من عمري بدأت مسيرتي المهنية، ومثل أي شخص في الحياة سعدت جدا بخوض أول تجربة عمل لي حيث بدأت بالاعتماد على نفسي، وسأشارك عائلتي في سد الأعباء المالية فنحن من عائلة قليلة الدخل، وفي أول يوم عمل رافقني صاحب العمل طوال اليوم ليشرف على تدريبي.

بعد أيام قليلة بدأت بملاحظة تصرفات غريبة عليه، يقترب مني، يتواصل معي عبر مواقع التواصل وأنا في المنزل وخاصة في أوقات متأخرة وأحاديثه كانت غريبة جدًا وكانت أسئلته خادشة للحياء وخاصة جدا، وذات يوم استدعاني لمكتبه وأغلق الباب دون سبب وحاول التقرب مني إلى أن وصل به الأمر إلى محاولة التحرش بي وسرعان ما خرجت من مكتبه ومن ذلك اليوم لم أذهب لأي وظيفة كانت.

(هذه كانت قصة “ج.ث” التي تعرضت للعنف والتحرش الجنسي في العمل وهي مثال على العديد من النساء اللاتي تعرضن لذات الموقف وقررن الصمت خوفاً من خسارة الوظيفة أو النظرة المجتمعية لهنّ).

ارزيقات: أعداد قليلة تبلغ عن التحرش

يعتبر التحرش الجنسي في أماكن العمل أيضا جريمة فساد، فيها استغلال للسلطة من قبل رؤساء وأرباب العمل ضد العاملات، رغم أن مصطلح التحرش الجنسي غاب عن مواد قانون مكافحة الفساد رقم 1 لسنة 2005 وتعديلاته.

بدوره قال المتحدث باسم الشرطة العقيد لؤي ارزيقات أن هناك أعدادا قليلة تم الإبلاغ عنها في قضايا التحرش بالنساء.

وأضاف أن طريقة تقديم الشكاوى والبلاغات عن طريق التوجه لأقرب مركز شرطة أو من خلال الموقع الالكتروني أو عبر الرقم المجاني 106.

ما عقوبة المتحرش في القانون؟

إجابة على هذا التساؤل، قالت المحامية أريج شاهين أنه لا يوجد هناك نص قانوني أو عقوبة ضد المتحرش على الرغم من المعايير الدولية التي تتعاطى معه كجريمة يجب معاقبة مرتكبيها إلا أن القانون الفلسطيني خالٍ من أي تعريف للتحرش.

ولا يتوقف الأمر على قانون العقوبات إذ لم تُشر أي مادة من نصوص قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000 أو قانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998 إلى التحرش الجنسي في أماكن العمل، كما أن مدونة السلوك الخاصة بالوظيفة العامة تخلو من أي إشارة لاعتبار التحرش الجنسي ضمن الخروقات في السلوك الوظيفي وقواعد الوظيفة العامة.

310 حالات عنف وتحرش جنسي خلال عام!

كما وسجل الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين 310 حالات عنف وتحرش جنسي، بينها 3 اعتداءات جنسية كاملة في أماكن العمل بالقطاع الخاص خلال عامي (2020 – 2021 ) ، ووفقا للاتحاد فإن 45٪ من هذه الحالات كان مرتكبوها أرباب ورؤساء عمل.

ووفقا لدراسة أجراها مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي للنساء المعنفات والمنتهكة حقوقهن فإن المركز يستقبل سنويا ما معدله (500 امرأة ) بهدف الحصول على خدمات الارشاد القانوني والاجتماعي.

“لا أرقام دقيقة”

إن عدم وجود أرقام أو إحصائيات دقيقة حول التحرش الجنسي وفي أماكن العمل خاصة  لا يعني عدم وجوده، وإنما صمت النساء عن الشكوى أو فضح المجرم بسبب عدم الفهم الواضح لمعنى التحرش وغياب النص القانوني الواضح في القوانين السارية في فلسطين للتحرش الجنسي وثقافة المجتمع التي لا زالت توجه اللوم على المرأة عند حدوث التحرش .

ومن الأهمية بمكان إيجاد صيغة قانونية ملائمة لتجريم التحرش الجنسي وسن عقوبات ردع ضد مرتكبي هذا النوع من الجرائم إلى جانب توفير الحماية القانونية الفاعلة للمشتكيات.