بيت سكاريا قرية فلسطينية تقع على بعد تسعة كيلومترات جنوب غرب بيت لحم وتصنف على أنها ضمن المناطق ج، أي أنها تحصل على الخدمات الطبية والتعليمية من السلطة الفلسطينية، بينما تسيطر دولة الاحتلال فيها على الجوانب الأمنية والإدارية والقانونية، وتشكل هذه المناطق ما نسبته 60% من مساحة الضفة الغربية. ويقع 70% منها داخل حدود المجالس الإقليمية للمستوطنات الإسرائيلية وبالتالي يُحظر على الفلسطينيين استخدامها وتطويرها، إضافة إلى معاناتها من شح المياه، والتعرض المستمر لمضايقات جنود الاحتلال والمستوطنين. وتقع قرية بيت سكاريا داخل التجمع الاستيطاني “غوش عتصيون”، حيث قامت الحكومات الاسرائيلية المتتابعة منذ العام 1967 ببناء 15 مستوطنة يقطنها ما يقارب 23 ألف مستوطن على أراضي قرية بيت سكاريا التي تبلغ مساحتها 9000 دونم صادر الاحتلال منها 2000 دونم.

أعداد سكان القرية في تناقص مستمر
يمارس الاحتلال سياسة تضييقية تهجيرية على سكان بيت سكاريا، تتمثل بمنعهم من البناء أو حتى توسيع منازلهم، بل يمنعون السكان من الترميم أيضا، بالتالي فإن من أراد الزواج والتأسيس لبناء أسرة في القرية يواجه خيارين، الأول يتمثل في السكن مع عائلته التي تعاني من سوء حال منزلها، أو أن يغادر القرية ليجد مكان سكن اخر مناسب لبدء حياته الزوجية. يقول محمد سعد أحد سكان القرية والمتطوع في مجموعة حماية بيت سكاريا أن هذا التضييق أدى إلى تناقص عدد سكان القرية بشكل ملحوظ، فقرية بيت سكاريا يقطنها حاليا 650 مواطن ومواطنة فقط، ويؤكد سعد على أن التضييق على البناء ومنع التوسيع والترميم من أهم المشاكل التي تواجه سكان القرية، ناهيك عن أن المنازل الموجودة حاليا عبارة عن جدران اسمنتية يعتليها سقف من الألواح الحديدية والصفائح.

بين ليلة وضحاها شيدت مدرسة بيت سكاريا
لغاية العام 2006 كان طلبة قرية بيت سكاريا يضطرون الذهاب إلى القرية المجاورة كي يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة، إلا أن الاحتلال أغلق الطريق التي كانوا يسلكونها، مما أدى إلى فكرة إنشاء مدرسة في القرية، بدأ المشروع من منزل صغير احتوى على الصفين الابتدائيين الأول والثاني، إلا أن هذا الحل لم يكن كافيا، فطلبة الصفوف الأعلى بحاجة لتلقي التعليم، وسلطات الاحتلال لا تمنح إذنا ولا ترخيصا لبناء مدرسة حتى على الأراضي الخاصة بالقرية، وهذا الأمر الذي ولد روح التحدي لدى السكان للبدء في تشييد المدرسة خلال 24 ساعة فقط في يوم السبت وهو يوم الراحة عند معتنقي الديانة اليهودية مما يعني وجود جنود أقل من جيش الاحتلال يراقبون القرية، وبدأ بناء المدرسة الساعة الرابعة عصرا يوم الجمعة وكانت جاهزة في غضون الساعة الواحدة من ظهر يوم السبت، ولحسن الحظ لم يلاحظ جنود الاحتلال ذلك، وإلا كانوا قد هجموا على القرية ودمروا المدرسة.

رسومات على جدران المدرسة الداخلية تجدد الأمل
تقول مديرة المدرسة امنة موسى: لو أضفنا أي جزء على البناء القائم سيحطمونه، لكنني قررت أن أصلح المدرسة من الداخل، واستذكرت أنها في عطلة الميلاد ذهبت للمدرسة وبدأت ترسم على جدرانها الداخلية، فتم استدعائها من قبل وزارة التربية والتعليم وسألوها ما الذي تفعله داخل المدرسة. فقالت لهم أنها ترسم على جدران المدرسة الداخلية، فطلبوا منها مغادرتها لكنها رفضت وأكملت الرسم، تقول وقد اعتلت الفرحة وجهها: لقد تغيرت المدرسة كليا، ثم سقطت تلك الفرحة عندما أكملت قولها بأن التغيير كان من الداخل فقط ولا يسمح لهم\ن بإجراء أي إصلاح خارجي، لذا فإن الوضع القائم يجب أن يتغير، فالمدرسة بحاجة للتوسعة والترميم فهي لا تخدم إلا للصف التاسع، كما لا يوجد أسقف لكل الغرف الصفية، مما يؤدي إلى دخول الأمطار إليها في فصل الشتاء، وفي الصيف يعاني الطلبة من الحرارة الشديدة. ثم أضافت موسى مستنكرة ” لماذا علينا أخذ ترخيص من الاحتلال ونحن نبني على أراضينا!”

مديرة المدرسة أوضحت أن وجود المستوطنات حول القرية أدى إلى وجود مكثف لجنود الاحتلال في المنطقة، وهذا يؤثر سلبا على كل من الطلاب والمعلمين في المدرسة، خاصة اللذين يأتون من قرى أخرى. فعادة ما يتم توقيفهم من قبل الجنود، على الرغم من أن تواجدهم في المنطقة هو تواجد يومي والجنود يعرفونهم جيدا ويعرفون أرقام هوياتهم ولكنهم يستمرون في ايقافهم حتى يثبتوا أنهم الأقوى وأنهم ملاك الأرض. تقول موسى: فليفعلوا ما يريدوا، نحن مصرون على انتزاع حقنا بحرية التنقل بين القرى. وعلى الرغم من هذا الإصرار إلا أن وجود الجنود ونقاط التفتيش يجعل الطلبة والمعلمون يشعرون بالتوتر كل يوم، فالمنطقة تظل في حالة توتر دائم خاصة في حال نشوب الأحداث الأمنية في مناطق أخرى من فلسطين، وذلك بسبب قرب المستوطنين من القرية، فعند وجود حدث يبدؤون في مضايقة الفلسطينيين على الطرقات ويقومون برمي الحجارة على سياراتهم وهذا الأمر يعطل قدوم المعلمين للمدرسة حتى وان كانوا يسكنون في مكان قريب، وفي هذه الحالات تأتي موسى مبكرا للمدرسة وتحاول البقاء على اتصال مع الكادر التعليمي وتقدم لهم الدعم والنصائح لحماية المعلمين والطلبة.
نحن أقوياء، ولكننا نخاف أيضا
تقول موسى: إن بعض المعلمين يشعرون بالخجل من التعبير عن مشاعرهم، يخافون الاعتراف بالخوف، لكننا نخاف فعلا فنحن بشر أيضا، وأنا رغم القوة التي أظهرها إلا أنني اعترف بالخوف، أما أمام جنود الاحتلال تحث مديرة المدرسة نفسها وطاقمها على أن يظهروا للجنود أنهم\ن لا يعرفون ولا يعرفن الخوف، وأنهم\ن مصرون\ات على القدوم إلى هذه المنطقة. تشهد الطريق المؤدية للمدرسة الكثير من التوتر في الصباح والظهيرة من كل يوم، أي عند القدوم إلى المدرسة ومغادرتها، لذا ترى موسى أنه من المهم المحافظة على الهدوء والاستمرار في العملية التعليمية ومواجهة كل التحديات والظروف.

قرية بيت سكاريا ومعاناتها ليست سوى مثال بسيط على ما يعانيه سكان المناطق ج من سياسات الاحتلال التهجيرية والتضييق الممنهج لإجبار السكان على ترك منازلهم وأراضيهم من أجل أن تسيطر عليها قوات الاحتلال لتوسعة وبناء المزيد من المستوطنات.
المصادر:
Palestinian Counseling Center – Report on Beit Skaria
https://www.pcc-jer.org/en/content/beit-skaria
Minister of Foreign Affairs and Expatriates