رفيدة ابوزنيد- ما أن خيم شبح فايروس كورونا على العالم، بدأت العديد من القطاعات الصناعية والزراعية بالتفكير بصورة مغايرة عن ذي قبل، خاصة وأن العالم بات في احتياج للغذاء أكثر من أي عنصر آخر يمكن تسميته أنه من الكماليات.

وكانت النساء الفلسطينيات سباقات في تحدي ظروف الحجر ومنع التجوال، وأطلقت المئات منهن العنان لأفكارهن الريادية في أن تنبت في الأراضي والسهول والجبال طعامًا يقي أسرهن شر الجوع أو الحاجة، فيما كانت الحاجة المسيطر الأكبر على هذا العالم.

زراعة بدون أسمدة

  لم تستطع ظروف الحجر وحصار كورونا “كوفيد ١٩” من حبس أفكار الشابة بيان إقطيط (٢٤ عاما)، عن نبش التراب ورميّ أفكارها وسط أرض يملكها والدها في مدينة دورا جنوب محافظة الخليل، ليبدأ التراب بمنح الحياة لأشتال الخيار التي زرعتها.

بدأت الأشتال تكبر وكذلك أحلام بيان معها في أن تحصل على منتوج من الخيار خال من المواد الكيميائية، يُساعدها شغفها ورغبتها في الانتصار على ظروف الحجر والبقاء حَبيسة  لشروط فيروس كورونا، ومضت الأيام ، ووجدت زرعها يغازل خيوط الشمس، وبنت بيت بلاستيكي ضم أحلامها من عائداتِ بيع الخيار.

وتبلورت لدى بيان فكرة الاعتماد على الزراعة في خَلق فرصة عمل لها، والانصراف عن طوابير البطالة التي لم تعد تتسع لطوابير الخريجين، وطورت من أدواتها جراء حصولها على إرشادات وتوجيهات من مهندسين زراعيين وأصحاب خبرة واختصاص.

 معمول برائحة الانتصار

وهنا تغلبت رائحة المعمول ومناقيش الزعتر البلدي على فتاكة فيروس كورونا، وأخذت الشابة الثلاثينية سهير العمايرة في صناعة بعض الأكلات البيتية والمعجنات للأشخاص المصابين بفيروس كورونا، ونتيجة الطلب المُتزايد قررت توسيع عملها وتخصيص غرفة من منزلها كمطبخ، خاصة وأنها اضطرت للعمل بعد أن فقدت زوجها إثر مرض عُضال لم يمهلهُ طويلا وهي أم لثلاثة أطفال.

واستطاعت سهير التعاقد مع مركبة لإيصال طلبات الزبائن إلى بيوتهم، وزاد الطلب على مُنتجاتها نتيجة لتفانيها العالي في تقديم طعام صحيْ ومعجنات وحلويات لذيذة، وباتت تملك اليوم واحد من أجود مطابخ قريتها قرية الطبقة الواقعة جنوب محافظة الخليل.

 مشاريع بيتية اقتصادية

تشير الناشطة النسوية ميسون القواسمة الى أنا مئات النساء استطعن خلال فترة الحجر الخاصة بفيروس كورونا بناء ذاتهن، وخلق مشاريع بيتية اقتصادية مستغلات فترة الفراغ في خلق ظروف أفضل لواقعهن.

تؤكد الناشطة القواسمة إلى أنه ما يزيد عن ألف مشروع لسيدات يعملن في التجارة الإلكترونية، والمشاريع الزراعية والطعام، وتجاوزت بعض المشاريع إلى تشغيل سيدات معهن في ظل الطلب المتزايد على منتجاتهن.

وطالبت القواسمة الجهات المختصة بضرورة إعفاء السيدات صاحبات المشاريع البيتية من الرسوم وإجراءات الترخيص وغيرها، وتوفير التدريبات اللازمة لرفع الكفاءة والقدرة الإنتاجية وإقامة المعارض لفتح آفاق جديدة أمام أعمالهن.

 30 ألف مشروع نسائي أثناء الحجر

تشير أرقام مديرية العمل في مدينة الخليل إلى أن هناك حوالي ٣٠ ألف مشروع لسيدات من فئات عمرية مختلفة خلال جائحة كورونا، تتركز غالبية المشاريع في التجارة الإلكترونية والبشرة والطعام والزراعة المنزلية، وغالبية المشاريع فيها عمل يومي.

وقال مدير مديرية العمل في مدينة الخليل محمد الشلالدة أن النساء تغلبت على الرجال أثناء فترة جائحة كورونا في خلق وإيجاد مشاريع تشغيل منزلية قادرة على دفع عجلة اقتصادهن المنزلي إلى الأمام، ومساعدة أسرهن في إيجاد مصادر دخل متنوعة خاصة للسيدات اللواتي يعمل أزواجهن في الداخل المحتل.

وبين الشلالدة أن وزارته تنظم الكثير من المعارض لتعريف الجمهور بالسلع المتوفرة السيدات، مشيراً إلى أن الطلب على سلعهن يزداد مع تزايد المناسبات الاجتماعية والدينية.

وأشار مدير شركة لحظة للتمويل الرقمي بهاء الفروخ أن هنالك حيز كبير على منصات التواصل الاجتماعي لمشاريع سيدات ظهرت أعمالهن خلال جائحة كورونا، وبات على شركته طلب كبير لتمويل مشاريعهن للوصول إلى أماكن وأشخاص محددة بهدف الإعلان.

وبين الفروخ أن منصتي “الفيسبوك والانستغرام”، حازتا على مساحة كبيرة من الطلب على تمويل صفحات خاصة بأشغال السيدات، وأضاف أن العديد من السيدات حصلن على تدريبات في شركات خاصة حول مواضيع إدارة الصفحات والتصوير والنشر والتسويق، وهو أمر تحتاجه كل صاحبة مشروع للترويج لسلعتها على اختلاف مستوياتها.

كأن عصر كوفيد انتهى، وبدأ عصر آخر من أحلام السيدات وطموحاتهن في خلق مشاريع قادرة على حمايتهن من عثرات الزمان وشبح البطالة، وتجاوزت مشاريع السيدات عتبات بيوتهن، وذهبن إلى استئجار محلات ومكاتب خارج حدود سكنهن، لموائمة ومواكبة الطلب على سلعهن، والوصول الى أكبر عدد ممكن من الناس.