بذرة نمو المشكلة …
بصوت قوي وبجلسة مستندة عادت نهى بذاكرتها للوراء قائلة” انا الاخت الصغرى بين خمس اخوات, كانت امي هي الزوجة الثانية لابي, وكان ابي كبير بسن واولاده من زوجته الاولى قريبين من عمر امي, كانت امي تخاف علينا منهم اذا مات ابي, لذلك زوجت كل اخواتي في عمر الرابعة والخامسة عشر, لتطمئن عليهن, كنت انا اكبرهن عمرا عندما تزوجت ثمانية عشرة عاما, والان مضى على زواجي اربعة عشرة عاما.
تابعت نهى ولمعة الامل في عيناها” كنت اريد اكمال تعليمي, وفي ذات الوقت كنت معجبة بشاب قريب لي, كنا من نفس العمر تقريبا, تقدم لخطبتي, ظننت ان الحياه معه ستكون ورديه واكمل تعليمي في ذات الوقت, لكن الواقع كان مختلفا عن توقعاتي.
توقفت نهى لحظة قائلة ” خلال سنوات الزواج كلها لم اكن مستقلة في بيت لي وحدي وانما عشت في بيت اهل زوجي, وهنا لا بد من الخلافات مع اهل الزوج ابتدأ من طهي الطعام وترتيب البيت نهاية بالضرب وطلب الطلاق كانت المشاكل محتملة الى حدا ما, الى ان انجبت طفلي الاول والثاني احمد وعبد الرحمن, وضعتهما بصحة جيدة والفضل يعود لله “.
وتابعت” بعد مضيء قرابة الثلاث سنوات رغبت بالحمل مجددا فحملت بأنثى كانت الخلافات بيني وبين زوجي واهله مستمرة, وتصاعدت شدتها مع الوقت, كان التحكم والتآمر والتطلب ورفع الصوت واحيانا تصل الى مد اليد علي وضربي يوميا, غير مهتمين بي ولا بجنيني, كانت دمائي تغلي بعروقي كنت اخاف ان اجهض جنيني من القهر والحزن, كنت اخاف ان انام ليلا ولا استيقظ بالصباح, كان يحرمني من اهلي ولا يسمح لي بزيارتهم او حتى مهاتفتهم لكي لا يعرفوا شيئا عني, لدرجة انني اقدمت على اذاء نفسي, كانت امه تسمع صوت صراخي من الغرفة عندما كان يتم ضربي ولا تحرك ساكنة, حينها هربت من المنزل متوجة الى قسم الشرطة املا في النجاة من كل هذا القهر, لكن الامر انتهى باستدعاء اهلي وتم اغلاق القضية حينها اخبرت اهلي ماذا كان يجري معي دون علمهم واصريت على الذهاب برفقتهم” .
واكملت نهى قائلة ” وبقيت عند اهلي طيلة فترة حملي, وبعد محاولات عديده من قبل اهل زوجي لأعود, عدت شريطة ان اكون في بيت مستقل لوحدي, وبدأت رحلة بحثي عن مؤسسات وجمعيات داعمة, لكني لم اجد من يرشدني, وحنيني عادني الى اطفالي في بيت بعيد عن اهل زوجي وانجبت طفلتي وإسميتها ازهار, وبعد شهر من ولادتها تبين انها تعاني من ضمور في خلايا الدماغ, وبدأنا نتنقل من طبيب لآخر لمعرفة سبب هذا المرض وايجاد حلا له “.
ماذا قال الاطباء…
بدأت ملامح التحدي تظهر على وجه نهى وبصوت يملئه الاصرار قالت ” لم يفدنا أي طبيب في حالتها وبدأت حالة الطفلة تسوء يوم تلوا الاخر وهي الان تبلغ من العمر سبع سنوات لا تتحدث ولا تدرك الاشياء ولا تمشي بطريقة جيدة ولا تستخدم المرحاض, اخذتها على الكثير من الجمعيات لعدم قبول أي مدرسة او رياض اطفال بها لكن هذه الجمعيات زادت حالتها سوء الى ان دلني احدهم على جمعية جيدة اخذتها عليها.
اكملت نهى” هناك التقيت بأطباء واخصائيين نفسيين وعندما جالست احدهم لأخبره عن حالة ابنتي, حينها قال لي “ان سبب موت عدد كبير من خلايا الدماغ تأتي بسبب الغضب والضغوط النفسية اثناء فترة الحمل خاصة خلال مرحلة تكون الجنين خلال الاشهر الاولى وكلما ارتفعت حدة الضغوط النفسية كلما ارتفعت نسبة موت الخلايا , فالطفل الطبيعي يولد بأربعة مليار خلية بالدماغ ولكن طفلتك ولدت بأقل من ذلك بكثير, وكانت هذه الخلايا هي المسؤولة عن الادراك والسلوك والحركة والفهم , لذلك تفتقد الطفلة لكل هذه القدرات”
كما اكد اخصائي طب الاطفال وحديثي الولادة الدكتور شريف حسان” ان التعب النفسي للمرأة الحامل, يتسبب بعدم وصول الغذاء والاكسجين الكامل الى الطفل خلال فترة الحمل, الامر الذي يكون له تداعيات صحية على الطفل وكلما زادت هذه الضغوطات النفسية زادت حدة تأثيرها على الجنين, بالاضافة ان النفسية المتعبة للمرأة الحامل قد تتسبب بالولادة المبكرة للطفل وفي حالات كثيرة يحتاج هؤلاء الاطفال الى حضانات وتغذية طويلة, وقد يولدوا بمشاكل صحية كعدم اكتمال الرئتين, ونقص في الاكسجين, وهو الذي يعد سببا رئيسيا لموت خلايا الدماغ نتيجة عدم وصول الاكسجين لها.
عدلت نهى جلستها متكئة باستناد على كرسي دائري وهي تشبك يديها معا واكملت ” هنا ادركت ان اذى زوجي واهله لي لم يؤذيني انا فحسب وانما كان ضحية ذلك طفلة مسكينة لا ذنب لها, وهم يدفعون ثمن ذلك الان كلما نظروا لها لدرجة انهم ينحرجون منها في بعض الاحيان امام الناس, حينها قطعت وعدا على نفسي بأنني اقوى من ان اتعرض للإهانة والتنمر الذي يسلب صحتي وصحة اطفالي, ولن اسمح لاحد بأن يقلل من قيمتي او يتسبب في اذيتي, فالان بات الوضع مختلفا فهناك جهات وجمعيات ومؤسسات داعمة تسمع صوت النساء, وتترجم الصمت الى كلمات “.
والان تصف نهى بسعادة شعورها خلال حملها بطفلتها الثانية فرح بعد تسع سنوات من وقف الانجاب بعد طفلتها الاولى ازهار قائلة ” هذه المرة كنت حذرة جدا وبعيدة عن كل ما يقلق راحتي ويؤثر على نفسيتي ووضعت حدا لزوجي واهله ولم اسمح لاحد ان يعكر صفو حياتي والحمد الله اتممت حملي على اكمل وجه ووضعتها انثى جميلة تخطف قلب كل من رأها”
اعتلت الابتسامة على وجه نهى وبنظرة تحدي قالت” الحياة المثالية للمرأة تبدأ عندما تكن جنينا برحم امها فكلما كانت الام سعيدة وقوية كانت طفلتها كذلك فمن عنق الرحم يولد الامل والانجاز والنجاح اما الضغوط النفسية والاهانة والحزن والاكتئاب لن يولد سوى اناثا انطوائيات خائفات لا يجادلن الرجال ولا يطالبن بحقوقهن ولا حتى يسمع صوتهن, ونحن نطالب بتدريس الحياه الزوجية وطرق التعامل معها في الجامعات والمدارس وان يكون هناك مراكز مجتمعية لذلك, ليتعلم الرجل فن التعامل مع زوجته بطرق الصحيحة, لكي لا ينتهي بهن المطاف على ابواب المحكة طالبين الطلاق, او بجريمة قتل نكراء, ونتمنى سن قانون حماية الاسرة, فأحيانا يأتي الاذاعة من اقرب الناس لنا, لذلك يجب ان يكون هناك ما يردع, فنا فقد سوف يتم تربية النفس الانسانية ودعها عن ارتكاب الاذى, وزيادة عدد المؤسسات التي تطالب بحقوق النساء وتمثلهن دوليا ومحليا في هذه القضايا الحساسة التي تأبى الزوال .
كما ننوه انه, حاولنا كثيرا الوصول لشرطة حماية الاسرى, لإخذ افادتهم بقضايا العنف الاسري واهمية سن قانون حماية الاسرة, لكن دون جدوى.