تقع حارة جابر في البلدة القديمة في مدينة الخليل وتصنف على أنها ضمن المنطقة ج  أي أنها تتبع للسلطة الفلسطينية في الخدمات الطبية والتعليمية، بينما تسيطر قوات الاحتلال فيها على الجوانب الأمنية والإدارية والقانونية. وتعد حارة جابر ضمن المناطق المغلقة والمحاطة بحواجز قوات الاحتلال والمستوطنات، والزائر لحارة جابر سيلاحظ أن سيارات المستوطنين الحاملة للوحات الأرقام الصفراء تملأ الشارع بينما تواجد السيارات بلوحات أرقام خاصة بالسلطة الفلسطينية تكاد تكون معدومة وذلك بسبب منع قوات الاحتلال سكان المنطقة من إدخال سياراتهم للحارة إلا بشروط معقدة وتصاريح.

منع السيارات في الحارة شكل معاناة لفوزية جابر الملقبة بأم العبد ولسكان المنطقة أجمع، حيث يضطرون لحمل أغراضهم لمسافات طويلة مما يجهدهم ويهدر وقتهم، تقول فوزية وهي تسير نحو منزلها عبر الطريق الرئيسي الذي لا تكاد تخلو زاوية منه من تواجد تجمع لجنود الاحتلال “أن مشكلة التنقل لا تقتصر على السيارات الخاصة فقط، بل إنهم يواجهون مشكلة كبيرة في إدخال سيارات الإسعاف وسيارات الدفاع المدني إلى الحارة مما يشكل خطرا كبيرا على حياة سكان المنطقة.”

الإمرأة المجنونة وجنود الاحتلال!

تقول فوزية وهي تضحك “يطلق علي جنود الاحتلال اسم الإمرأة المجنونة لأنني لا أخاف منهم” ففور رؤيتهم يحاولون اعتقال أحد الأطفال أهرول نحوهم وأهاجمهم دفاعا عن أبناء وبنات حارتي، وبت معتادة على ذلك فأنا على ثقة تامة أنني في منزلي وهم الدخلاء، أعادت فوزية رأسها للخلف وصمتت ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة استعادت فيها ذكرياتها القديمة وأكملت حديثها قائلة “أنها في الماضي كانت تدخل في معارك مع الجنود ولم تكن تخاف من أن يضربوها ويعذبوها، ولكن بعد أن أصبحت أما تسلل الخوف إلى قلبها فأصبحت أكثر حذرا لتحمي أطفالها.”

فوزية الأم

توضح فوزية أن أطفالها تعرضوا للأذى على أيدي المستوطنين وجنود الاحتلال من قبل، حيث قامت مستوطنة برش عيني ابنتها برذاذ الفلفل، مما أصاب فوزية بخوف شديد حيث ظنت أن ابنتها لن ترى النور ثانية، فقامت فوزية بالركض وحاصرت المستوطنة واستولت على رذاذ الفلفل من جيبها ورشته على وجهها لجعلها تعاني كما عانت ابنتها بسببها، بعد ذلك هاجم الجنود فوزية وهددوها بالسجن مدى الحياة، وكانت خائفة من حرمانها من أطفالها إلا أن الحكم الذي صدر عليها كان الحبس الإلزامي في المنزل لمدة عام.

ليس ابنتها فقط، بل اختبرت فوزية مشاعر اعتقال ابنها حيث تقول “عندما أخبرني أطفال الحارة بخبر احتجاز ابني شعرت بأن قلبي انقبض، وركضت نحوهم ولكن لم أستطع تخليصه منهم، لقد خفت كثيرا عليه وعلمت لاحقا بأنهم أخذوه إلى مكان مهجور واعتدوا عليه بالضرب طوال الليل، ثم أفرجو عنه صباحا لعدم وجود دعوة قضائية ضده.” فوزية من داخل مشروعها الصغير

حب فوزية لحارتها

قامت فوزية بعمل مشروع صغير وهو عبارة عن مطبخ وفرن لتحضير المعجنات، عملت به هي ومجموعة من نساء حارتها  اللواتي يعانين من وضع اقتصادي صعب مما شكل لهن مصدر دخل، وأصبح هنالك إقبال على المشروع وشكل سببا لدخول الناس من المناطق المجاورة للحارة  مما أعاد الروح إليها، إلا أن هذا الأمر أدى إلى غضب المستوطنين فقاموا بإحراق المشروع ثلاث مرات ولكن فوزية كانت تستمر في ترميمه وإعادة فتحه مرة تلوى الأخرى والعمل به من جديد.

تؤكد فوزية على أن العيش في منطقة مغلقة ليس بالأمر السهل، ولكنها لم تفكر لو لمرة واحدة بالرحيل وترك حارتها لأنها تحبها وتحب جيرانها، وتصف علاقتهم بالأسرة الواحدة حيث تقول أنهم يدافعون عن بعضهم البعض ويهتمون ببعضهم البعض وهذا هو سلاحهم الوحيد للصمود في وجه جنود الاحتلال والمستوطنين الذين يقفون كجدار اسمنتي كبير في وجه سكان الحارة.  

وهبت فوزية وقتها لسكان حارتها فهي تعتبر أن هؤلاء الناس هم عائلتها وكل أبناء الحارة هم أبناؤها لذا تبقي حجابها دائمًا بجانبها لتكون مستعدة دائما في حالة حدوث هجوم، فالأوضاع في الحارة لا يمكن التنبؤ بها حيث قد تؤدي نظرة أو كلمة لم تعجب الجندي على الحاجز إلى نشوب مواجهة قد تؤدي للاعتقال.

تقول فوزية أن سكان حارتها والحارات المجاورة وجميع المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي يعانون من أشكال مختلفة من التضيقات ومحاولات التهجير، إلا أن سكان هذه المناطق سيواصلون النضال والصمود من أجل حماية أرضهم وأرض أجدادهم.